هل وظيفة الدولة المساعدة على الموت؟!
هل وظيفة الدولة المساعدة على الموت؟!
قبل أن يصوت نواب البرلمان البريطانى الجمعة الماضى على مشروع قانون «المساعدة على الموت»، حاولوا الإجابة عن سؤالين: هل يجوز مساعدة شخص على الانتحار (الموت الرحيم)؟، وما الضمانات التى يمكن بموجبها منحه الإذن لإنهاء حياته؟. المشروع، الذى أصبح قانونًا، يسمح للمرضى الذين يقول الأطباء إن أمامهم ٦ أشهر فقط للبقاء على الحياة بأن يتناولوا مادة تُنهى حياتهم ماداموا قادرين عقليًّا على اتخاذ القرار السليم. وبعد ذلك يحتاج الأمر إلى طبيبين وقاضٍ بالمحكمة العليا للتوقيع بالموافقة على ذلك.
القضية لها أبعاد دينية وطبية واجتماعية وسياسية واقتصادية أيضًا. هناك اعتراض دينى على أساس أن حياة الإنسان مقدسة وتوقيت نهايتها قرار الخالق وحده. زعماء الكنيسة قالوا إن جزءًا من دورهم توفير الرعاية الروحية والدينية للمرضى والمحتضرين.. «نحن نمسك بأيدى أحبائنا فى أيامهم الأخيرة، ونصلى مع عائلاتهم قبل الموت وبعده».
لكن هناك من العلمانيين أيضًا مَن رفض المشروع. جوردون براون، رئيس الوزراء العمالى الأسبق، قال إن وفاة ابنته عام ٢٠٠٢ عن ١١ يومًا فقط بعد إصابتها بنزيف دماغى أقنعته بقيمة وضرورة الرعاية الجيدة لمَن هم فى نهاية الحياة. واستطرد: «كنا ندرك أن الأمل ضاع. لم يكن بوسعنا سوى الجلوس أنا وزوجتى معها ممسكين بيديها الصغيرتين. لقد ماتت فى أحضاننا. الحل فى الرعاية الصحية حتى النهاية، وليس المساعدة على الموت».
كان العبء النفسى شديدًا على النواب. أحزابهم أعطتهم حرية التصويت وفقًا لضمائرهم. عقدوا لقاءات عديدة فى دوائرهم الانتخابية. غالبية الناخبين أيدت الموت الرحيم. الضغوط الأشد كانت على النواب المسلمين الذين يرفض ناخبوهم مشروع القانون لأن الإسلام يعتبر ذلك قتلًا للنفس. وزيرة العدل شبانة محمود قالت: «أشعر بقلق ليس فقط لأسباب دينية، بل لأن ذلك يعنى أنه أصبح من وظائف الدولة مساعدة الناس على الموت. لا ينبغى أن تقدم الدولة الموت كخدمة. إنه تحول عميق إلى ثقافة الانتحار بمساعدة طبية ورسمية». المعارضون أشاروا أيضًا إلى أنه فى مواجهة تكاليف العلاج الباهظة، قد يشعر بعض المرضى أنهم أصبحوا عبئًا كبيرًا على أسرهم والمجتمع، لذا يختارون الموت، ليس لأن هذا ما يريدونه، بل لأنهم يعتقدون أن الآخرين يريدونه.
لكن بعض المرضى بأمراض مزمنة دعموا المشروع، مؤكدين أن أمامهم خيارين: إما مواصلة المعاناة اللانهائية أو السفر إلى الخارج والإقدام على الانتحار بمساعدة طبيب. وقالوا إن المساعدة على الموت تجلب الكرامة للمرضى فى نهاية حياتهم وتُجنبهم شهورًا من التدهور النفسى والجسدى الرهيب، كما أنها تقلل الضغوط على الخدمات الصحية. النخبة الثقافية والفكرية الداعمة للمشروع أوضحت أيضًا أنه أحاط العملية كلها بضمانات صارمة، فهو لا يسمح بالمساعدة على الموت فى حالات المعاناة، كما فى سويسرا وهولندا وكندا، بل منح ذلك فقط للأشخاص المصابين بأمراض لا علاج لها، وقبل ٦ شهور من الوفاة المحتملة. وقالوا إن الشخص العاقل الذى يواجه موتًا محققًا ومروعًا له الحق فى اختيار طريق ألطف إلى القبر. بالنسبة لهم، مساعدة هذا الشخص ليست جريمة.
الحكومة البريطانية نأت بنفسها عن القضية برمتها، وأعطت الحرية لنواب حزبها للتصويت كما يتراءى لهم، وطلبت من الوزراء عدم التصريح بآرائهم، لكن بعض الوزراء لم يلتزموا لأن ناخبيهم أجبروهم على الرفض العلنى. إلا أن هناك مَن رأى أن الحكومة تحبذ تمرير المشروع لأن مساعدة المرضى، الميؤوس من شفائهم، على الموت توفر تكاليف علاج وأماكن بالمستشفيات، فى وقت تعانى فيه هيئة الصحة الوطنية أزمات مالية هائلة ونقصًا كبيرًا فى أعداد الأطباء والممرضين. مَن الذى حسم كل هذا الجدل والخلاف؟. الرأى العام. الاستطلاعات أكدت أن المشروع يحظى بدعم ٧٣٪ من الناس. النواب انصاعوا وصوتوا لصالح القانون بأغلبية ٣٣٠ عضوًا مقابل رفض ٢٧٥.
نقلاً عن صحيفة المصري اليوم